فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



يقولها لشاعر سمى نفسه به في قوله:
أبلغ كليبًا وأبلغ عنك شاعرها ** إني الأعز وإني زهرة اليمن

فجاء به جرير على جهة الهزء.
وقرىء: إنك، بكسر الهمزة.
وقرأ الحسن بن علي بن أبي طالب على المنبر، والكسائي بفتحها.
{إن هذا}: أي الأمر، أو العذاب، {ما كنتم تمترون}: أي تشكون.
ولما ذكر حال الكفار أعقبه بحال المؤمنين فقال: {إن المتقين في مقام أمين}.
وقرأ عبد الله بن عمر، وزيد بن علي، وأبو جعفر، وشيبة، والأعرج، والحسن، وقتادة، ونافع، وابن عامر: في مقام، بضم الميم؛ وأبو رجاء، وعيسى، ويحيى، والأعمش، وباقي السبعة: بفتحها؛ ووصف المقام بالأمين، أي يؤمن فيه من الغير، فكأنه فعيل بمعنى مفعول، أي مأمون فيه، قاله ابن عطية.
وقال الزمخشري: الأمين، من قولك: أمن الرجل أمانة، فهو أمين، وهو ضد الخائن؛ فوصف به المكان استعارة، لأن المكان المخيف كان يخوف صاحبه بما يلقى فيه من المكاره.
وتقدم شرح السندس والإستبرق.
وقرأ ابن محيصن: {وإستبرق}، جعله فعلًا ماضيًا.
{متقابلين}: وصف لمجالس أهل الجنة، لا يستدبر بعضهم بعضًا في المجالس.
{كذلك}: أي الأمر كذلك.
وقرأ الجمهور: {بحور}، وعكرمة: بغير تنوين، لأن العين تقسمن إلى حور وغير حور، فهؤلاء من حور العين، لا من شهلن مثلًا.
{يدعون فيها}: أي الخدم والمتصرفين عليهم، {بكل فاكهة} أرادوا إحضارها لديهم، {آمنين} من الأمراض والتخم.
{لا يذوقون فيها الموت}.
وقرأ عبيد بن عمير: لا يذاقون، مبنيًا للمفعول.
{إلا الموتة الأولى}: هذا استثناء منقطع، أي لكن الموتة الأولى ذاقوها في الدنيا، وذلك تنبيه على ما أنعم به عليهم من الخلود السرمدي، وتذكير لهم بمفارقة الدنيا الفانية إلى هذه الدار الباقية.
وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف استثنيت الموتة الأولى المذوقة قبل دخو ل الجنة من الموت المنفي؟ قلت: أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة، فوضع قوله: {إلا الموتة الأولى} موضع ذلك، لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل، فإنهم يذوقونها.
وقال ابن عطية: قدر قوم إلاّ بسوى، وضعف ذلك الطبري وقدرها ببعد، وليس تضعيفه بصحيح، بل يصح المعنى بسوى ويتسق.
وأما معنى الآية، فتبين أنه نفى عنهم ذوق الموت، وأنه لا ينالهم من ذلك غير ما تقدم في الدنيا.
وقرأ أبو حيوة: {ووقاهم}، مشددًا بالقاف، والضمير في {يسرناه} عائد على القرآن؛ و{بلسانك}: بلغتك، وهي لغة لعرب. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{ولقد نَجَّيْنَا بَنِى إسراءيل}.
بأنْ فعلنا بفرعونَ وقومِه ما فعلنا {مِنَ العذاب المهين} من استعبادِ فرعونَ إيَّاهم وقتلِ أبنائِهم واستحياءِ نسائِهم على الخسفِ والضيمِ {مِن فِرْعَوْنَ} بدل من العذابِ إمَّا على جعلِه نفسَ العذابِ لإفراطِه فيهِ، وإمَّا على حذفِ المضافِ أي عذابِ فرعونَ، أو حال من المهينِ أي كائنًا منْ فرعونَ. وقرئ مَنْ فرعونُ على مَعْنى هل تعرفونَهُ من هو في عُتوِّه وتفَرْعُنِهِ، وفي إبهامِ أمرهِ أولا وتبيينِه بقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ المسرفين} ثانيًا من الإفصاحِ عن كُنِه أمرِه في الشرِّ والفسادِ ما لا مزيدَ عليهِ.
وقوله تعالى: {منَ المُسرفينَ} إمَّا خبرٌ ثانٍ لكانَ أي كان متكبرًا مسرفًا، أو حال من الضميرِ في عاليًا أيُ كانَ رفيعَ الطبقةِ من بينِ المسرفينَ فائقًا لهُم بليغًا في الإسرافِ.
{ولقد اخترناهم} أي بنِي إسرائيلَ {على عِلْمٍ} أي عالمينَ بأنَّهم أحِقَّاءُ بالاختيارِ أو عالمينَ بأنَّهم يزيغونَ في بعضِ الأوقاتِ ويكثرُ منُهم الفرطاتُ {عَلَى العالمين} جميعًا لكثرةِ الأنبياءِ فيهم أو على عالَمِيْ زمانِهم {وءآتيناهم مِنَ الآيات} كفلْقِ البحرِ وتظليلِ الغمامِ وإنزالِ المنِّ والسَّلْوى وغيرِها من عظائمِ الآيات التي لم يُعهدْ مثلُها في غيرِهم.
{مَا فِيهِ بلاؤا مُّبِينٌ} نعمةٌ جليةٌ أواختبارٌ ظاهرٌ لننظرَ كيفَ يعملونَ.
{إِنَّ هَؤُلاء} يَعْني كفارَ قريشٍ لأن الكلامَ فيهم وقصةُ فرعونَ وقومِه مَسوقةٌ للدلالةِ على تماثِلهم في الإصرارِ عَلَى الضِّلالةِ والتحذيرِ عن حلو ل مثلِ ما حَلَّ بهم.
{لَيَقولونَ إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى} أي ما العاقبةُ ونهايةُ الأمرِ إلا الموتةُ الأولى المزيلُة للحياةِ الدُّنيويةِ، ولا قصدَ فيهِ إلى إثباتِ موتةٍ أُخْرى كمَا في قولك حجَّ زيد الحجَّةَ الأولى وماتَ. وقيلَ لمَّا قيلَ لهم: إنكُم تموتونَ موتةً تعقبُها حياةٌ كمَا تقدمتكم موتةٌ كذلكَ قالوا ما هيَ إلا موتتُنا الأولى أي ما الموتةُ التي تعقُبها حياةٌ إلا الموتةُ الأولى وقيل: المَعْنى ليست الموتةُ إلا هذهِ الموتة دونَ الموتةِ التي تعقبُ حياةَ القبرِ كَما تزعمونَ {وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} بمبعوثينَ.
{فَأْتُواْ بِآبائنا} خطابٌ لمن وعَدَهُم بالنُّشورِ من الرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والمؤمنينَ {إِن كُنتُمْ صادقين} فيمَا تعِدونه مِنْ قيامِ السَّاعةِ وبعثِ الموتَى ليظهر أنَّه حقٌّ وقيلَ: كانُوا يطلبونَ إليهم أنْ يدعُوا الله تعالى فينشُرَ لهم قُصَيَّ بنَ كلابٍ ليشأو روه وكانَ كبيرَهُم ومفزَعَهُم في المهمَّاتِ والملمَّاتِ.
{أَهُمْ خَيْرٌ} ردٌّ لقولهم وتهديدٌ لَهُم أيْ أهُم خيرٌ في القوةِ والمنعةِ اللتينِ يُدفعُ بهما أسبابُ الهلاكِ {أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} هو تبعٌ الحميريُّ الذي سارَ بالجيوشِ وحيَّر الحِيرةَ وبني سمرقندَ وقيل هدمَها وكان مؤمنًا وقومُه كافرينَ ولذلكَ ذمَّهم الله تعالى دونَهُ وكان يكتبُ في عنوانِ كتابِه بسمِ الله الذي ملكَ بحرًا وبحرًا أي بحارًا كثيرةً وعنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا تسبُّوا تُبعًا فإنَّه كانَ قد أسلمَ» وعنْهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «ما أدْرِي أكانَ تبعٌ نبيًا أو غير نبيَ» وعن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُمَا: «أنَّه كانَ نبيًا». وقيلَ لملوكِ اليمنِ التبابعةِ لأنهم يُتبعونَ، كما يقال لهم الأقيالُ لأنهم يتقيَّلونَ.
{والذين مِن قَبْلِهِمْ} عطفٌ على قومُ تبعٍ والمرادُ بهم عادٌ وثمودُ وأضرابُهم من كلِّ جبَّارٍ عَنيدٍ أولي بأسٍ شديدٍ. والاستفهامُ لتقريرِ أنَّ أولئكَ أقوى مِنْ هؤلاءِ.
وقوله تعالى: {أهلكناهم} استئنافٌ لبيانِ عاقبةِ أمرِهم.
وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} تعليلٌ لأهلاكِهم ليَعلمَ أنَّ أولئكَ حيثُ أهُلكُوا بسببِ إجرامِهم معَ ما كانُوا في غاية القوةِ والشدةِ فلان يَهلكَ هؤلاءِ وهم شركاءُ لهم في الإجرامِ أضعفُ منهم في الشدةِ والقوةِ أولى.
{وَمَا خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} أي ما بينَ الجنسينِ. وقرئ وما بينهنَّ {لاَعِبِينَ} لاهينَ من غيرِ أنْ يكونَ في خلقِهما غرضٌ صحيحٌ وغايةٌ حميدةٌ.
{مَا خلقناهما} وما بينَهما {إِلاَّ بالحق} استثناءٌ مفرغٌ من أعمِّ الأحوالِ أوأعمِّ الأسبابِ أي ما خلقناهُمَا ملتبسًا بشيءٍ من الأشيئاءِ إلا ملتبسًا بالحقِّ أو ما خلقناهُمَا بسببٍ من الأسبابِ إلا بسببِ الحقِّ الذي هو الإيمانُ والطَّاعةُ والبعثُ والجزاءُ.
{و لكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أنَّ الأمرَ كذلكَ فينكرون البعثَ والجزاءَ {إِنَّ يَوْمَ الفصل} أي فصلِ الحقِّ عن الباطلِ وتمييزِ المحقِّ من المبطلِ أوفصلِ الرجلِ عن أقاربِه وأحبَّائِه {ميقاتهم} وقتَ موعدِهم {أَجْمَعِينَ} وقرئ ميقاتَهُم بالنصبِ على أنَّه اسمُ إنَّ ويوم الفصلِ خبرُها أي أنَّ ميعادَ حسابِهم وجزائِهم في يومِ الفصلِ.
{يَوْمَ لاَ يُغْنِى} بدل من يومَ الفصلِ أو صفة لميقاتُهم أوظرفٌ لما دلَّ عليه الفصل لا لنفسِه {مولى} مِنْ قرابة أو غيرها {عَن مَّولى} أيُّ مولى كانَ {شَيْئًا} أيْ شيئًا من الإغناءِ {و لاَ هُمْ يُنصَرُونَ} الضميرُ لمولى الأول باعتبارِ المَعْنى لأنه عامٌّ.
{إِلاَّ مَن رَّحِمَ الله} بالعفوعنْهُ وقبو ل الشفاعةِ في حقِّه، ومحلُّه الرفعُ على البدل من الواوأوالنصبُ على الاستثناءِ {إِنَّهُ هو العزيز} الذي لا يُنصرُ من أرادَ تعذيبَهُ {الرحيم} لمنْ أرادَ أنْ يرحَمهُ {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم} وقرئ بكسرِ الشينِ وقد مرَّ مَعْنى الزقومِ في سورةِ الصَّافاتِ {طَعَامُ الأثيم} أي الكثيرِ الاثامِ والمرادُ به الكافرُ لدلالةِ ما قبلَهُ وما بعدَه عليهِ {كالمهل} وهو ما يُمهلُ في النَّارِ حتَّى يذوبَ وقيلَ: هو دُرْدِيُّ الزَّيتِ {يغلي في البطون} وقرئ بالتاءِ على إسنادِ الفعلِ إلى الشَّجرةِ.
{كَغَلْىِ الحميم} غليانًا كغليهِ {خُذُوهُ} عَلى إرادةِ القول والخطابُ للزبانيةِ {فاعتلوه} أي جُرُّوه، والعَتلُ الأخذُ بمجامعِ الشيءِ وجرُّه بقهرٍ وعنفٍ وقرئ بضمِّ التاءِ وهي لغةٌ فيهِ.
{إلى سَوَاء الجحيم} أي وسطِه {ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم} كانَ الأصلُ يصبُّ من فوقِ رءوسهم الحميمُ فقيلَ يصبُّ من فوقِ رءوسهم عذابٌ هو الحميمُ للمبالغةِ ثم أضيفَ العذابُ إلى الحميمِ للتخفيفِ وزيدَ من للدلالةِ على أنَّ المصبوبَ بعضُ هذا النوعِ {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} أي وقولوا له ذلكَ استهزاءً بهِ وتقريعًا له على ما كانَ يزعمُه، رُويَ أنَّ أبا جهلٍ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بينَ جبليَها أعزُّ ولا أكرمُ منِّي فوالله ما تستطيعُ أنتَ ولا ربُّك أنْ تفعَلا بي شيئًا. وقرئ بالفتحِ أي لأنك أو عذابُ أنَّك {إِنَّ هَذَا} أي العذابَ {مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} تشكونَ وتُمارونَ فيهِ والجمعُ باعتبارِ المعنى لأن المرادَ جنسُ الأثيم.
{إِنَّ المتقين} أيْ عن الكفرِ والمَعَاصِي {فِى مَقَامٍ} في موضعَ قيامٍ، والمرادُ المكانُ على الإطلاقِ فإنَّه من الخاصِّ الذي شاعَ استعمالُه في مَعْنى العمومِ. وقرئ بضمِّ الميمِ وهو مَوضعُ إقامة {أَمِينٌ} يأمن صاحبُه الافاتِ والأنتقال عنْهُ وهو من الأمنِ الذي هو ضدُّ الخيانةِ، وصفَ به المكانُ بطريقِ الاستعارةِ، كأنَّ المكانَ المخيفَ يخونُ صاحبَهُ لما يَلْقى فيهِ من المكارِه {فِى جنات وَعُيُونٍ} بدل من مقامٍ جيءَ بهِ دِلالةً على نزاهتِه واشتمالِه على طيباتِ الماكلِ والمشاربِ {يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} إما خبرٌ ثانٍ أو حال من الضميرِ في الجارِّ، أواستئنافٌ. والسندسُ ما رقَّ من الحريرِ، والإستبرقُ ما غلُظَ منْهُ معرَّبٌ.
{متقابلين} في المجالسِ ليستأنسَ بعضُهم ببعضٍ {كذلك} أي الأمرُ كذلكَ أو كذلك أثبناهُم {وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ} على الوصفِ وقرئ بالإضافةِ أي قرنّاهم بهنَّ والحورُ جمعُ الحوراءِ وهي البيضاءُ، والعينُ جمعُ العيناءِ وهي العظيمةُ العينينِ واختُلفَ في أنهنَّ نساءُ الدُّنيا أو غيرها {يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فاكهة} أي يطلبونَ ويأمرونَ بإحضارِ ما يشتهونَهُ من الفواكهِ لا يتخصصُ شيءٌ منها بمكانٍ ولا زمانٍ {ءآمنين} من كلِّ ما يسوؤهم {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى} بل يستمرُّونَ على الحياةِ أبدًا والاستثناءُ منقطعٌ أو متصلٌ على أنَّ المرادَ بيانُ استحالةِ ذوقِ الموتِ فيها على الإطلاقِ كأنَّه قيلَ: لا يذوقونَ فيها الموتَ إلا إذا أمكن ذوقُ الموتةِ الأولى حينئذٍ {ووقاهم عَذَابَ الجحيم} وقرئ مشددًا للمبالغةِ في الوقايةِ.
{فَضْلًا مّن رَّبّكَ} أي أُعطوا ذلكَ كلُّه عطاءً وتفضلًا منه تعالى. وقرئ بالرفعِ أي ذلكَ فضلٌ {ذلك هو الفوز العظيم} الذي لا فوزَ ورِاءَهُ إذ هو خلاصٌ عن جميعِ المكارِه ونيلٌ لكلِّ المطلبِ.
وقوله تعالى: {فَإِنَّمَا يسرناه بلسانك لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} فذلكةٌ للسورةِ الكريمةِ إنَّما أنزلنَا الكتابَ المبينَ بلغُتكَ كيَ يفهمُه قومُك ويتذكروا ويعملُوا بموجبِه وإذْ لم يفعلُوا ذلكَ {فارتقب} فانتظرْ ما يحِلُّ بهم {إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} ما يحلُّ بكَ. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تبارك وتعالى: {حم والكتاب المبين إِنَّا أنزلناه في لَيْلَةٍ مباركة}.
يعني: الكتاب أنزلناه في ليلة القدر سميت مباركة لما فيها من البركة، والمغفرة للمؤمنين، وذلك أن القرآن، أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ، إلى السماء الدنيا في ليلة القدر إلى السفرة.
ثم أنزله جبريل متفرقًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال: كان ينزل من اللوح المحفوظ، إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، مقدار ما ينزل به جبريل عليه السلام، متفرقًا إلى السنة الثانية ثم قال: {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} يعني: مخوفين بالقرآن.
قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} يعني: في ليلة القدر، يقضى كل أمر محكم، ما يكون في تلك السنة إلى السنة الآخرى، وهذا قول عكرمة.
وروى منصور، عن مجاهد قال فيها: يقضى أمر السنة إلى السنة، من المصائب والأرزاق وغير ذلك.
وهذا موافق للقول الأول.
ويقال: في تلك الليلة، يفرق يعني: ينسخ من اللوح المحفوظ، ما يكون إلى العام القابل من الرزق، والأجل، والأمراض، والخصب، والشدة.
وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه قال: إنك لتلقى الرجل في الأسواق، وقد وقع اسمه في الأموات.
ثم قرأ هذه الآية: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} يعني: في تلك الليلة، يفرق كل أمر الدنيا إلى مثلها إلى السنة من قابل {أَمْرًا مّنْ عِنْدِنَا} يعني: قضاء من عندنا.
ويقال: معناه بأمر من عندنا، فنزع حرف الخافض فصار نصبًا {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} يعني: الرسل إلى الخلق.
ويقال: يعني: الملائكة في تلك الليلة {رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} يعني: إنزال الملائكة، رحمة من الله تعالى.
ويقال: الرسالة رحمة من الله تعالى.
ويقال: هذا القرآن رحمة لمن امن به {إِنَّهُ هو السميع} لقولهم {العليم} بهم وبأعمالهم.
قوله عز وجل: {رَبّ السموات والأرض} قرأ أهل الكوفة رب، بكسر الباء، والباقون بالضم، فمن قرأ بالكسر رده إلى قوله: رحمة من ربك رب السموات.
ومن قرأ بالضم، رده إلى قوله: {إِنَّهُ هو السميع العليم} رب السموات.
ويقال: على الاستئناف.
ومعناه: هو ربكم، وهو رب السموات والأرض {وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} يعني: مؤمنين بتوحيد الله {لا إله إِلاَّ هو يُحْىِ وَيُمِيتُ} وقد ذكرناه {رَبُّكُمْ} أي: خالقكم ورازقكم {وَرَبُّ ءآبائكم الأولين} يعني: هو خالقهم ورازقهم.
قوله عز وجل: {بَلْ هُمْ في شَكّ يَلْعَبُونَ} يعني: يستهزئون.
ويقال: هذا جواب قوله: {إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} فكأنه قال: لا يوقنون، بل هم في شك يلعبون يعني: يخوضون في الباطل.
قوله تعالى: {فارتقب} يعني: فانتظر يا محمد {يَوْمَ تَأْتِى السماء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} يعني: الجدب والقحط قال القتبي: سمي الجدب والقحط.
دخانًا، وفيه قولان: أحدهما أن الجائع كأنه يرى بينه وبين السماء دخانًا من شدة الجوع، والثاني: أنه سمي القحط دخانًا، ليبس الأرض، وانقطاع النبات، وارتفاع الغبار، فشبه بالدخان.
وروى الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود قال: خمس مضين، الدخان واللزام يعني: العذاب الأكبر، والروم، والبطشة، والقمر.
وروي عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: بينما رجل يحدث في المسجد، فسئل عن قوله: {يَوْمَ تَأْتِى السماء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} فقال: إذا كان يوم القيامة، نزل دخان من السماء، فأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، وأخذ المؤمنون منه بمنزلة الزكام.